حتى لا يطير المــــــاء

بقلم الدكتور : أســـامة ســـــلام

خبير موارد مائية / هيئة البيئة أبو ظبي

استلهمت عنوان هذه المقالة من رواية الأديب الكبير احسان عبدالقدوس "حتى لايطير الدخان" ومن وحيها قفز سؤال هل يطير الماء؟ نعم يطير الماء (يتبخر) وفي هذه المقالة سنتعرض باختصار لتعريف البخر وأنواعه وأهميته في الدورة الهيدرولوجية ودوره في معادلات الاتزان المائي ومن ثم سنلقي الضوء على أساليب وطرق تقليله في المناطق التي تعاني من شح مائي وخاصة المناطق الجافة وشبه الجافة والتي تعاني زيادة في معدلات البخر كما في الصحراء الشرقية وسيناء.

إن من أهم مكوناتدورة الماء في الطبيعة:البخر والنتج والتكاثف والتساقط والتسربوالترشح، وبالطبع فيهذه المقالة سنحاول التركيز علىظاهرتيالبخر والنتج وأهم العوامل التيتؤثر فيهما. فالبخر أو التبخر هو عملية تحويل الماء من الحالة السائلة الى الحالة الغازية (بخار الماء)، وانتقاله بعيدا عن سطح الأرض، وتتم عملية البخر في أماكن عديدة على سطح الأرض مثل المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، والتربة، ولقد قدرت بعض الدراسات كمية الماء التي تدخل الغلاف الغازي على شكل بخار ماء منبعث من سطح الكرة الأرضية سنويا بحوالي نحو 380 ألف كيلو متر مكعب من الماء منها 320 ألف من المحيطات والبحار والباقيمن سطح القارات (نباتات وتربة).ويصل حجم الماء الموجود في الغلاف الجوي في أي وقت إلى حوالي 12900 كيلومتر مكعب. وإذا سقطت كل المياه الموجودة في الغلاف الجوي مرة واحدة كأمطار فإنها ستغطي الأرض بعمق يصل إلى 2.5 سم.ولكييتم البخر لابد من توافر الطاقة اللازمة لتحويل الماء من الحالة السائلة إلى بخار ماء، ويتم استمداد هذه الطاقة من الأشعة الشمسية بشكل أساسي، ومن حرارة الهواء بشكل ثانوي.وخروج المياه على هيئة بخار ماء من خلال الثغرات المتمثلة فيفتحات صغيرة علىمستوى أوراق النباتات كنتيجة للتمثيل الغذائي أطلق عليها العالم الأمريكيثورنوايتعام 1948 البخرنتحوهو لفظ مكون من كلمتين: الأولى،البخر، والتي تشير إلى ما يتبخر من سطح التربة والمسطحات المائية، والثانية، النتح وهيتشير إلىالماء الذي يخرج من النبات إلىالجو بشكل غازي بعد تبخره. ولذا يمكن القول إن البخرنتح يشير إلىكامل الماء الذي يدخل الغلاف الجوي بشكل غازي من سطح الأرض وما عليها.

ويلعب البخر دورا بارزا فيالدورة الهيدرولوجية،علىأساس أن عملية البخر ضد التساقط المطري، وترفع المياه من السطوح المائية واليابسة علىحد سواء وتترك تأثيرات سلبية علىالعملية الزراعية والبيئية خاصة فيالمناطق الجافة وشبه الجافة. وتتحكم فىعملية البخرنتح عدة عوامل أهمها: درجة حرارة الماء والهواءفكلما زادت درجة حرارة الماء، زاد البخر. وأيضا، فإن انخفاض درجة حرارة الهواء، يؤدى إلى زيادة البخر بشرط انخفاض نسبة الرطوبة وكذلك الرطوبة النسبية تؤثر في معدلات البخر حيث يتناسب معدل التبخر عكسيااً مع الرطوبة النسبية فيالجو، كما أن زيادة سرعة الرياحتؤدى إلىزيادة معدل التبخر، وقد تؤدى زيادة سرعة الرياح بمقدار 10 %إلىزيادة معدل البخر بمقدار يتراوح بين %1 و %3 بالإضافة إلى العوامل السابقةتتدخل عوامل أخرى، كعمق المياه، ومساحتها ونوعيتها.والميزان المائي هو العلاقة الكمية التي تربط بين حجـوم الميـاه الموجـودة فـي منطقة ما مع بعضها، ومركبات الميزان المائي الطبيعي لأي منطقة هي: التساقط المطريوالبخر والبخر النتحي والجريان السطحي والرشح إلى المياه الجوفية والجريان الجوفي. وعلى الصعيد التطبيقي يعـدالميـزان المائي من أهم أدوات إدارة الموارد المائية عنـد وضـع الـسياسات المائيـة والتخطيط لمشاريع مائية إذ يستخدم في تقدير الاحتياطيات المائية المتـوافرة وفي تقدير كفاية الموارد المائية المتاحة للأغراض المختلفة.

ويعدالبخر من أهم مركبات الميزان المائي لاي منطقة كونه يمثل أحد الفواقـد غيـر الراجعة، لذلك وضعت طرقعديدةلتقليله والاستفادة منه.ومن هذه الطرق على سبيل المثال لا الحصر: ريّ المزروعات ليلاً لإفساح المجال للنباتات لامتصاص الماء دون حدوث بخر بسبب حرارة الشمس. واستعمال طرق الري الحديثة كالري بالتنقيط والرشوالتي تحافظ على الماء من البخر.وأيضا تقليل زراعة الأشجار ذات الاستهلاك العالي للمياه وخاصة في الحدائق كما تعتبر أيضا مشروعات حصاد الامطار في المناطق الجافة وشبه الجافة هي مشروعات بالأساس لتقليل البخر ومن هذه المشروعات انشاء سدود لتخزين مياه الامطار للزراعة بها ولزيادة معدلات شحن الخزانات الجوفية وكذلك مشروعات الزراعة المباشرة على مياه الامطار والتي تعتبر من أهم مشروعات تقليل بخر الماء والحفاظ عليه والاستفادةمنه حتىلا يطير الماء.