د. عاصم عبدالمنعم يكتب عن اليوم العالمي لحماية طبقة الأوزون

الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 11:23 م
شارك الخبر

يحتفل العالم فى السادس عشر من سبتمبر من كل عام باليوم الدولى للحفاظ على طبقة الأوزون الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى عام 1994 تزامنًا مع التاريخ الذى تم فيه التوقيع على بروتوكول مونتريال بشأن المواد المُستنفدة لطبقة الأوزون (القرار 49/114) فى عام 1987، عندما عَمِلت الحكومات والعلماء والصناعة معًا لخفض 99% من جميع المواد المُستنفدة للأوزون.

وبفضل بروتوكول مونتريال بدأت طبقة الأوزون فى التعافى ومن المُتوقع أن تعود إلى مستويات ما قبل عام 1980 بحلول منتصف القرن الحالى.

ويُوضح هذا اليوم أن القرارات المدروسة والعمل الجماعى القائم على العلم هو السبيل الوحيد لحل الأزمات العالمية الكبرى، ويُذكرنا هذا اليوم بأن الأوزون ليس ضروريًا للحياة على الأرض فحسب بل يَتعين علينا أن نستمر فى حماية طبقة الأوزون من أجل الأجيال القادمة. واتخذ احتفال الأمم المتحدة لهذا اليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون لعام 2024 شعار هو (تعزيز العمل المناخى).

طبقة الأوزون وأهميتها

الأوزون هو شكل خاص من الأوكسجين مع الصيغة الكيميائية (O3)، فهى درع رقيق من الغاز فى الغلاف الجوى فى طبقة الستراتوسفير يحمى كوكب الأرض، وطبقة الأوزون تحيط بالغلاف الجوي إحاطة كامـلة ويوجد الأوزون بشكل طبيعى في طبقة الستراتوسفير للأرض وهو جزء من الغلاف الجوى ويمتد من حوالى 10 إلى 40 كيلومترًا فوق سطح الأرض، ويَتشكل الأوزون في الستراتوسفير عندما يتفاعل الأكسجين تفاعلًا كيميائيًا بفضل الإشعاع الشمسي حيث تقوم طاقة ضوء الشمس بكسر الروابط الكيميائية لجزيئات الأكسجين  (O2)  وتطلق ذرات الأكسجين الأحادية (O).

وتقوم طبقة الأوزون بإمتصاص أشعة الشمس الفوق بنفسجية مما تُساعد على الحفاظ على جميع أشكال الحياة على كوكب الأرض.

طبقة الأوزون هى طبقة غير محصنة ضد الأنشطة البشرية الضارة ومن أهم المواد الكيميائية التى تستنفد طبقة الأوزون:

  • الكلوروفلوروكربونات والهيدروكلوروفلوروكربونات المُستخدمة بكثرة فى أجهزة التبريد والتكييف المنزلية والتجارية والصناعية.
  • الهالونات المستخدمة فى أنظمة مكافحة الحرائق.
  • مادة بروميد الميثيل المُستخدمة كمبيد حشرى لتبخير وتطهير الصوامع لتخزين المحاصيل الزراعية وتَعقيم التربة الزراعية.
  • بعض المذيبات المستخدمة فى تنظيف الأجزاء الميكانيكية والمعدنية والدوائر الالكترونية مثل مادة رابع كلوريد الكربون.

اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون

تَبنت حكومات العالم في عام 1985 اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون ودخلت حيز التنفيذ في عام 1988. ووافقت الدول الموقعة على البحث في آثار الأنشطة البشرية على طبقة الأوزون ورصدها واتخاذ إجراءات ملموسة ضد الأنشطة التي من المُرجح أن يكون لها آثار ضارة على طبقة الأوزون ولم تُلزم الاتفاقية الدول باتخاذ إجراءات محددة للسيطرة على المواد المستنفدة للأوزون.

بروتوكول مونتريال

وهو من المعاهدات البيئية الأكثر فعالية التى يتم تنفيذها فى جميع دول العالم، ويعتبر مثالًا للنجاح والتعاون العالمى فى التنفيذ الرشيد للالتزام بحماية البيئة دون المساس بالخطط والبرامج التنموية للدول النامية.

ويَهدف البروتوكول إلى حماية طبقة الأوزون من خلال تدابير لمراقبة إجمالى الإنتاج والإستهلاك العالمى للمواد المُستنفذة للأوزون (نحو 100 مادة كيميائية من صنع الإنسان) مع ضرورة القضاء على إستخدام هذه المواد وإستبدالها عن طريق تَطوير المعارف العملية والتكنولوجية.

تم اعتماد البروتوكول في 15 سبتمبر 1987، وهو حتى الآن المعاهدة الوحيدة للأمم المتحدة التى تم التصديق عليها من قبل كل دولة على وجه الأرض- جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 198 دولة.

بفضل بروتوكول مونتريال بدأت طبقة الأوزون تَتَعافى ومن المُتوقع أن تعود إلى مستويات ما قبل عام 1980 بحلول منتصف القرن.

تُعتبر مصر من اوائل الدول التى وقعت على بروتوكول مونتريال فقد كانت الدولة رقم 7 التى صَدقت على البروتوكول، كما شاركتَ بدورٍ أساسي في المفاوضات التي أدت إلى توقيع اتفاقيةِ فيينا ثمّ بروتوكول مونتريال كما كانت مصر أيضًا عضوًا مؤسسًا للجنة التنفيذية لصندوق الأوزون المُتعدد الأطراف في الفترة من عام 1990 إلي عام 1992. حيث أنشأ بروتوكول مونتريال صندوق متعدد الأطراف لتنفيذ بروتوكول مونتريال لتغطية العمل في البلدان النامية وحتى ديسمبر 2019 بلغت المساهمات 4.07 مليار دولار أميركي كما تَلقى الصندوق مساهمات طوعية إضافية بقيمة 25.5 مليون دولار أميركي من مجموعة من البلدان المانحة لتمويل الأنشطة السريعة لتنفيذ خطة التخلص التدريجى من مركبات الهيدروفلوروكربون.

ومن المُتوقع أن يُسفر بروتوكول مونتريال عن فوائد صحية عالمية تُقدر بنحو 1.8 تريليون دولار أميركي (1.109 تريليون دولار أميركي لسرطان الجلد وحده) وتجنب أضرار بقيمة 460 مليار دولار أميركي تقريباً للزراعة ومصائد الأسماك والمواد (تقديرات تراكمية من عام 1987 إلى عام 2060)

تعديل كيجالى

ورغم أن بروتوكول مونتريال كان مصممًا للتخلص التدريجي من إنتاج واستهلاك المواد المُستنفدة للأوزون، فقد ثبت أن بعض البدائل لهذه المواد المعروفة باسم مركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs)تُشكل غازات إحتباس حرارى قوية، والواقع أن بعض مركبات الهيدروفلوروكربون أقوى بألف مرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في المساهمة فى تغير المناخ. ودعماً للبروتوكول سيعمل تعديل كيجالي الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2019 على الحد من استخدام مركبات الهيدروفلوروكربون، ومن المُتوقع أن يُؤدي التَخلص التدريجي الناجح من مركبات الهيدروفلوروكربون إلى تَجنب ارتفاع درجة الحرارة العالمية بما يصل إلى 0.4 درجة مئوية بحلول عام 2100 مع الاستمرار في حماية طبقة الأوزون.

لماذا نجح بروتوكول مونتريال وما هى الدروس التى يستفاد منها فى اتفاق باريس؟

نَجح بروتوكول مونتريال لعديد الأسباب أولها معرفة البشرية كلها بالمخاطر التى شكلتها مُركبات الكلوروفلوروكربون والتأثير الذى قد يخلفه استمرار استخدامها على البيئة، وشّكل الإستهلاك البشرى النواة الأولى للتغيير فى مجال التصنيع وما يتطلبه ذوق المستهلك حيث تم وقف إنتاج مركبات الكلوروفلوروكربون والتحول إلى مواد أقل ضررًا، وهو ما يُطلق عليه التأثير الإيجابي الذي يُمكن أن يُحدثه تغيير السلوك حتى لو بدأ بشيء صغير مثل قرار الفرد بعدم شراء أي منتجات تحتوي على مركبات الكلوروفلوروكربون.

الأمر الأخر وهو جانب العلم ودور العلماء وخاصة "العلماء كمدافعين" عن قضية وجودية، لقد تم توضيح مخاطر مركبات الكلوروفلوروكربون بقوة من قبل العلماء والأهم من ذلك بساطة وسلاسة إيصال المعلومة وهو ما مَكن الشخص البسيط فى الشارع من فهم التهديد وما يَجب أن يفعله حيال ذلك.

ومما لاشك فيه هذه كلها دروس يَجب فهمها وتَطبيقها بما يتلائم مع حجم المشكلة التى نواجها عندما يَتعلق الأمر باتفاقية باريس والعمل المناخي، أى أنه عندما يُغير الأفراد سلوكهم من خلال الاستهلاك بشكلٍ مختلف فإنهم قادرون على دفع الصناعات إلى التغيير، حيث تُصبح هذه الصناعات بعد ذلك محاصرة بين الطلب الاستهلاكى "الأخضر" والسياسات الدولية والحكومية التى تُركز على العمل المناخى.

وفى الختام لقد أولت مصر اهتماماً كبيراً بقضية الحفاظ على طبقة الأوزون وإجتازت بنجاح التحديات التي فرضها الإلتزام بأحكام بروتوكول مونتريال وتعديلاته المختلفة، وتم الالتزام بنسب الخفض المُستهدفة من استهلاك المواد المُستنفدة لطبقة الأوزون نتيجة لوجود ضوابط وسياسات فعالة تعمل علي تسهيل الامتثال لأحكام بروتوكول مونتريال دون المساس بالبرامج التنموية أو التأثير على الأولويات التي نضعها من أجل تحقيق التنمية المستدامة. ويُعد هذا الإحتفال فرصة مثالية للمراجعة والتقييم لحالة البيئة في ظل تسارع عجلة التنمية وزيادة الطلب على الموارد الطبيعية، حيث يُعتبر البعد البيئي ركيزة أساسية لعملية التنمية المستدامة بجانب البعدين الاقتصادي والاجتماعي.

 مقال

اليوم العالمي لحماية طبقة الأوزون تحت شعار تعزيز العمل المناخى

ا.د/ عاصم عبد المنعم أحمد محمد

استاذ إقتصاديات التغيرات المناخية

المعمل المركزى للمناخ الزراعى- مركز البحوث الزراعية


أضف تعليق


أخبار ذات علاقة

القائمة البريدية