د.دعاء بدوي تكتب عن لماذا نحب السكر؟ علم الإدمان الغذائي

الثلاثاء 17 يونيو 2025 09:58 ص
شارك الخبر

إن حبنا للسكر ليس مجرد تفضيل مكتسب، بل هو مزيج معقد من البيولوجيا التطورية، وحاسة التذوق لدينا، وآليات المكافأة القوية في الدماغ، والتي قد تتطور لدى البعض إلى ما يشبه الإدمان. في هذا المقال، سنستكشف الأسباب الكامنة وراء هذا الحب العميق للسكر، وكيف يمكن أن يتحول إلى ما يشبه الإدمان.

1- التطور وحاجة الطاقة السريعة:

البقاء على قيد الحياة: عبر تاريخ البشرية الطويل، كانت مصادر الغذاء وفيرة الطاقة نادرة نسبيًا. الأطعمة الحلوة غالبًا ما كانت تشير إلى مصادر غنية بالكربوهيدرات، وهي وقود أساسي لأجسامنا، خاصة الدماغ والعضلات. لذلك، تطورت لدينا رغبة فطرية في تذوق السكر والسعي إليه لضمان الحصول على سعرات حرارية كافية للبقاء على قيد الحياة. هذه الرغبة الفطرية كانت ضرورية لبقاء أسلافنا على قيد الحياة في بيئات كانت فيها مصادر الغذاء غير مضمونة.

إشارة الأمان: الحلاوة غالبًا ما ترتبط بالأطعمة غير السامة في الطبيعة، مثل الفواكه الناضجة. في المقابل، الطعم المر غالبًا ما يشير إلى وجود سموم. هذا الارتباط بين الحلاوة والأمان ساعد أسلافنا على تجنب الأطعمة الضارة واختيار الأطعمة التي توفر الطاقة اللازمة للبقاء.

2- حاسة التذوق والاستقبال الحسي:

مستقبلات التذوق الحلو: لدينا مستقبلات تذوق خاصة في الفم واللسان تستجيب لجزيئات السكر. عندما يرتبط السكر بهذه المستقبلات، ترسل إشارات عصبية إلى مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن إدراك الطعم. هذه المستقبلات حساسة جدًا ويمكنها اكتشاف حتى كميات صغيرة من السكر، مما يجعلنا نفضل الأطعمة الحلوة.

الدماغ يقول "هذا جيد": هناك أيضًا مستقبلات للطعم الحلو في الأمعاء. عندما نتناول أطعمة حلوة ويرتفع سكر الدم، يرسل الدماغ إشارات مفادها "هذا جيد، يعجبني هذا. استمر في فعله". هذه الإشارات تشجعنا على تناول المزيد من الأطعمة الحلوة، مما يضمن حصولنا على الطاقة اللازمة.

3- نظام المكافأة في الدماغ والإدمان الغذائي:

إطلاق الدوبامين: تناول السكر يحفز إطلاق الدوبامين، وهو ناقل عصبي يلعب دورًا رئيسيًا في نظام المكافأة في الدماغ، وهو نفس النظام الذي ينشط عند تناول المخدرات أو ممارسة سلوكيات ممتعة أخرى. هذا الإطلاق للدوبامين يخلق شعورًا بالمتعة والرضا، مما يجعلنا نرغب في تكرار التجربة. نظام المكافأة هذا هو الذي يجعلنا نشعر بالسعادة عند تناول الأطعمة الحلوة، ويشجعنا على البحث عنها مرة أخرى.

تأثير يشبه المخدرات: تشير بعض الأبحاث إلى أن السكر يمكن أن ينتج تأثيرات في الدماغ مشابهة لتلك التي تحدثها المخدرات، مثل الرغبة الشديدة، وفقدان السيطرة على الكمية المتناولة، وحتى أعراض الانسحاب عند التوقف عن تناوله. هذه التأثيرات يمكن أن تجعل من الصعب على بعض الأشخاص التحكم في استهلاكهم للسكر، مما يؤدي إلى دورة من الإفراط في التناول.

تكيّف الدماغ وزيادة التحمل: مع الاستهلاك المنتظم لكميات كبيرة من السكر، قد يتكيف الدماغ ويقل عدد مستقبلات الدوبامين أو تقل حساسيتها. هذا يعني أننا قد نحتاج إلى كميات أكبر من السكر للحصول على نفس الشعور بالمتعة، وهي آلية مماثلة لما يحدث في الإدمان. هذا التكيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة استهلاك السكر، مما يزيد من مخاطر المشاكل الصحية.

ارتباطات مكتسبة: بالإضافة إلى الاستجابة الفطرية، نطور أيضًا ارتباطات مكتسبة مع الأطعمة الحلوة. على سبيل المثال، قد نربط تناول الحلوى بمناسبات سعيدة أو الراحة العاطفية، مما يزيد من رغبتنا فيها. هذه الارتباطات يمكن أن تجعل من الصعب مقاومة الرغبة في تناول الأطعمة الحلوة، حتى عندما نكون على علم بمخاطرها الصحية.

4- عوامل أخرى تساهم في حبنا للسكر:

ارتفاع السعرات الحرارية: تاريخيًا، كانت الأطعمة الحلوة غالبًا ما تكون غنية بالسعرات الحرارية، وهو أمر مرغوب فيه عندما كانت مصادر الغذاء شحيحة. لا يزال دماغنا يبحث عن "أكبر فائدة مقابل أقل جهد" من الناحية الغذائية. هذه الرغبة في الحصول على أكبر قدر من الطاقة بأقل جهد ممكن يمكن أن تجعلنا نفضل الأطعمة الحلوة الغنية بالسعرات الحرارية.

تأثيرها على الحالة المزاجية: يمكن أن يؤدي تناول السكر إلى إطلاق السيروتونين، وهو ناقل عصبي آخر مرتبط بالشعور بالسعادة والرفاهية، على المدى القصير. ومع ذلك، فإن هذا التأثير غالبًا ما يتبعه انخفاض في مستويات السكر في الدم وتقلبات مزاجية. هذا التقلبات يمكن أن تجعلنا نشعر بالحاجة إلى تناول المزيد من السكر لتحسين حالتنا المزاجية، مما يؤدي إلى دورة من الإفراط في التناول.

صناعة الأغذية: تدرك شركات الأغذية هذه الآليات البيولوجية والنفسية وتقوم بصياغة المنتجات بكميات كبيرة من السكر والدهون والملح لخلق ما يسمى بالأطعمة "المستساغة جدًا" التي تثير الرغبة الشديدة. هذه الأطعمة مصممة لتكون لذيذة جدًا، مما يجعل من الصعب مقاومة الرغبة في تناولها. هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة استهلاك السكر، مما يزيد من مخاطر المشاكل الصحية.

الخلاصة:

إن حبنا للسكر هو نتيجة لتطورنا، وحاسة التذوق لدينا المصممة للتعرف على مصادر الطاقة، ونظام المكافأة القوي في الدماغ الذي يكافئنا على تناول الأطعمة الحلوة. في حين أن السكر ضروري لتزويد خلايانا بالطاقة، فإن الاستهلاك المفرط له في العصر الحديث، حيث تتوفر الأطعمة الحلوة بكثرة، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية والإسهام في دورة من الرغبة الشديدة التي تشبه الإدمان لدى بعض الأفراد. فهم هذه الآليات هو الخطوة الأولى نحو اتخاذ خيارات غذائية أكثر وعيًا والتحكم في استهلاكنا للسكر. من خلال فهم الأسباب الكامنة وراء حبنا للسكر، يمكننا اتخاذ خطوات نحو تناول غذاء أكثر صحة والتحكم في استهلاكنا للسكر.

مقال 

لماذا نحب السكر؟ علم الإدمان الغذائي والتذوق

د. دعاء محمود بدوى

قسم تكنولوجيا الحاصلات البستانية 

معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية



أضف تعليق


أخبار ذات علاقة

القائمة البريدية