الزراعة تفتح ملف صلاحية الألبان والمواد الحافظة "الحلقة الأولى"

الأربعاء 15 أكتوبر 2025 10:52 م
شارك الخبر

" حوار الطرشان " الدائر فى الشارع المصرى حول صلاحية الألبان المواد الحافظة " شوشرة على الفاضى " .. معادلة صفرية  " لا هاتودى ولا هاتجيب "  – هكذا – تبدو الحوارات فى الموضوعات المثيرة للجدل . حيث السمة المميزة " خدوهم بالصوت " , والذى قد يتعدى الخروج عن الروح الرياضية . لغياب لغة التفاهم , ومناقشات العقل والمنطق " مفيهاش خد وهات " , الكل بيتشبث برأيه " ياأبيض , ياأسود " , لا يوجود رأى وسط  " مساحة رمادية " , للترجيح بين هذا وذاك , ولتغليب رأى على أخر . 

" أصحاب الشغلة "

وفى مثل هذه الحالات الجدلية , لايؤخذ بأى رأى فيه روح صوت العقل أيا كان مصدره – وأوتوماتيكيا - يتم إستبعاد أرأء الخبراء , وأصحاب "الشغلة " منظومة صناعة الألبان – حتى – وإن كانوا على حق , ويستندون لمعلومات صحيحة تؤكد أن المنظومة  " تمام " , و " 100 فل وعشرة " , وأن كل الألبان الموجودة بالأسواق كاملة الصلاحية , وفى أقصى أقصى درجات الأمان , والسلامة الصحية . لأن الرد بدون إسترسال سيقابل بالرفض , مع صيحات الإستهجان , والذهاب إلى أقصى أقصى نظريات الوجودية فى الشك , والشطط فى التلميحات غير البريئة عن إفراط المصانع فى إستخدام " المواد الحافظة " الضارة جدا جدا بالصحة , لإطالة مدة صلاحية اللألبان . 

" فى دائرة الخطر "

ونفس الشئ ينسحب على موضوع غش اللبن - بإعتباره - من أكثر الموضوعات التى لم تسلم من المزايدات والمكابرة  . على الرغم من إن غش اللبن أصبح بدون مبالغة من المسلمات فى حياتنا . ويذهب البعض إلى إعتباره من كلاسيكيات المشهد المصرى . نتيجة لإستمرار الغش , وتغير أساليبه . ويكفى أن أرقام حالات الغش تجاوزت " ياسواد السواد " النسب المتعارف عليها . وباتت تقترب من حاجز الـ 90 % من حجم المتداول بالسوق . طبقا لتصريحات دكتور حاتم حلمى بمركز البحوث الزراعية  بجريدة الأهرام " فى  2020 ". ورغم هذه الصورة العبثية والمخيفة . هناك على الجانب الأخر من يحاول تجميل الصورة , بالنفى ولى الحقائق , والإدعاء بأن أرقام الغش غير صحيحة , وكل مايحدث من غش مجرد إستثناء .. حالات فردية تدخل فى خانة – النفوس الضعيفة – غير المستحبة , والمكروهة والمجرمة . ولاتمثل نسبة لاتذكر من إجمالى حجم الإنتاج . وأنها لم تصل إلى دائرة الخطر ! 

هذه هى الصورة الزهنية المتعارف عليها , وأيضا المتواترة إلينا  " نقلا عن وعن " , ومن خلال المشاهدات الحية لحوارات الشارع , و تصريحات المسئولين , والعاملين فى هذا المجال عبر وسائل الإعلام , والسوشيال ميديا . ومن جانب المهتمين , والمحبطين , والمغرضين , والمتضررين , وخبراء التغذية , وجهاز سلامة الغذاء . بما يعنى أن جميع الأطراف مشاركة فى إهتزاز الصورة , وإنعدام الثقة .

" الإتجاه المعاكس "

وتكمن مشكلة هذا " الكوكتيل " فى أنهم جميعا ليسوا على وفاق . فى حالة – تضاد – تام . مساحة الخلاف فى الرأى تصل لدرجة التطرف فى الخصومة , والشجار بالصوت العالى . بالضبط  صورة طبق الأصل من برنامج ( الإتجاه المعاكس ) للمذيع المستفز فيصل القاسم بقناة الجزيرة . وينسحب ذلك أيضا على المعلومات الصحيحة , والصادرة عن مصادر موثوق فيها . ويلاحظ أن الخلاف , والإنقسام فى الرأى بهذه الموضوعات ليس فيه أى رحمة . بل معظمها صدامية , ومغالبة للمنطق بتعلية الصوت , وتعمد إصدار أحكام مطلقة دون إستثناء بالطعن فى ضمائر , وأمانة كل تجار وموزعى الألبان , ومراكز التجميع , و الأجهزة الرقابية , وأصحاب المصانع . بحجة أنهم أصحاب مصلحة فى نفى كل الإتهامات والشبهات عنهم , للهروب من المسئولية , والعودة إلى دوامة الظنون من جديد .

" المرتزقة وأصحاب الهوا والكارهين "

وينحصر هذا التباين والتعدد فى إتجاهات الرأى فى . من يجيدون فن الموائمات والتوازنات " اللعب على كل الحبال " . أى مسك العصا من النصف . فحسب رأيهم " الكل على حق , والغلط وجهة نظر " . وبناء على ذلك ليس هناك مايمنع من "مواربة الباب " أى الإعتراف بالخطأ وفى نفس الوقت تبريره . من أجل تحجيمه والتقليل منه . على قاعدة أنه غير مقصود , وحدث بحسن نية . وتحميل مسئوليته لظروف خارجية . وفى نفس السياق هناك أراء صارخة فى التضليل . ويمكن تصنيفها فى خانة – المرتزقة –  أتباع أصحاب المصلحة والمرتبطين بهم , والمستفيدين منهم . وهم دائما جاهزون – تحت الطلب – يقدمون خدماتهم بأجر . وتنحصر مهمتهم فى التصدى لأصحاب الأراء المخالفة , وتصوير كل مايقال عن " المواد الحافظة , أوالغش " بأنه محض إفتراء , ومبالغات , وإتهام أصحاب هذه الأراء المعاكسة  بالمغرضين , الكارهين , وأصاحب الهوا . بجانب الدفاع عن المواد الحافظة على أنها ليست كلها شرا مستطيرا , وأن إستخدامها يكون فى حدود  " المعقول " النسب المسموح بها فقط . وقد تتسع وتمتد " حوارات الطورشان " لتشمل إلى جانب أصحاب " الهوا " , والمرتزقة , والكارهين مشاركة هواة إظلام الأفراح " ضرب الكرسى فى الكلوب "  بتكثيف نشر المعلومات المغلوطة تمشيا مع المثل الشعبى " الدى على الودان يدوش " , وتصدير الأقوال والمقاطع الصوتية المجهولة التى تحذر من صلاحية " اللبن المعبأ " للوقيعة بين الناس , وأصحاب المصانع . وتأويل أراء المختصين , و المسئولين من أجل تغيير المفاهيم والقناعات , والتشكك فى تداول " الحليب السائب " , وشروط وإجراءات السلامة فى محلات الألبان , ومراكز التجميع . إلى جانب إبراز حالات الغش الصارخة , والتركيز على أساليب وطرق الغش , ومخاطر المواد الحافظة الصحية 

" أراء مرفوعة من الخدمة "

وفى مقابل هذا الشطط فى تبرير الفساد " تلبيس الحق بالباطل والعكس ". كثيرا ماتظهر من حين لأخر شخصيات جديرة بالثقة والأمانة  . ولكنها – غالبا – تكون غير مفيدة . فهى إما مرفوعة من الخدمة بإختيارها لكونها " شخصيات إنطوائية بطبعها  " , أو لأنها مجبرة على الصمت والإنزواء بعيدا عن وسائل النشر , أو قنوات التواصل الرسمية . وأيضا غير الرسمية بسبب التضييق عليها . وفى كلا الحالتين هى معطلة ومقيدة الحرية لظروف نفسية , أو حكومية –  تحت مبرر – دارى على سمعة الحليب المصرى , وتشجيع الصناعة الوطنية  , وحماية المشروعات الجديدة من إثارة أى شكوك حولها . 

" قناعات الشارع لم تتغير "

الخلاصة .. قناعات رجل الشارع  مازالت مطلقة فى الإعتماد على المواد الحافظة . وفى يقينه رسمى فهمى نظمى مازال " الفورمالين " , وغيره من المواد الحافظة يستخدم حتى اليوم فى حفظ اللبن , لزيادة فترة الصلاحية – هذا – هو رأى وقناعات العامة . وسيظل – هكذا - هو الصوت الغالب . صاحب الأكثرية العددية  فى ظل تهميش صوت المتخصصين . ومن – باب – المواجهة غير المتكافئة . نحاول الإنفتاح قدر الأمكان على رأى المتخصصين عن حقيقة المواد الحافظة , وإستخداماتها فى حفظ الألبان , وعمليات الغش . إلى جانب عرض نبزة تاريخية مختصرة عن إستخدام المواد الحافظة , حتى إقرار حظرها , وإستبدالها " بالمعاملات الحرارية " . على أن نقتصر فى الحلقة الأولى على جزئية المواد الحافظة . 

" الحفظ بمواد كيمياوية "

والمواد الحافظة بشكل عام هى عبارة عن إضافات كيميائية , أو طبيعية  . وتعتبر  المواد أو الإضافات الكيميائية هى الأكثر شيوعا فى حفظ اللبن طازجا , ومد فترة صلاحيته للإستهلاك والتخزين . عكس الإضافات الطبيعية , والتى تتمثل ( الملح – السكر – الخل ) فهى غير عملية للصلاحيه والتخزين . والمعروف عن اللبن , أو الحليب الخام بدون مادة حافظة فترة تخزينه قصيرة جدا , وصلاحيته محدودة . ولهذا يتم التدخل بإضافة المادة الحافظة الكيمائية إلى اللبن , أو الحليب الخام , لمنع نمو وتكاثر البكتيريا , ومنع التخمر " فساد اللبن " – وبالتالى – يتم الحفاظ على جودته الغذائية , وقوامه ولونه دون تغيير , وإطالة مدة صلاحيته . 

" الثمانينات بداية قرارات الحظر والتجريم "

وتاريخيا كانت بداية قرارات الحظر فى فترة الثمانينات . وإقتصرت أولا  على مادتى ( الكربونات , والبيكربونات الصوديوم ) , لمايسببانه من مشاكل فى الجهاز الهضمى , والقلب , والكلى . فضلا عن أن " بيكربونات الصوديوم " ليست مادة حافظة " ولايحزنون " , لأنها عبارة عن ( ملح حمض الكربوكسيلى ) وتخص الأفران ورغيف العيش  . وهى تعرف ( بصودا الخبز ) . وتستخدم فى المساعدة على سرعة تخمير " العجين " وجعله هشا خفيفا . وقد أعقب ذلك فى أوائل التسعينات صدور قرار منع وتجريم الفورمالين ( المحلول المائى لغاز الفورمالدهايد )  . ثم فى عام 1995 تم حظر مادة ماء الأكسجين ( بيروكسيد الهيدروجين h2o2 ) . وللأسف والأكثر غرابة هذه المادة يقتصر إستخدامها على تبييض الأسنان , وفى التنظيف وإزالة البقع , ولا تمت باى صلة لموضوع حفظ الألبان . 

وحتى فترة ليست بالقصيرة  من 30 سنة تقريبا . كانت  المواد الحافظة  شائعة الإستخدام , وتعتبر من الضرورات التى لاغنى عنها فى حفظ الألبان ومنتجاتها من التلف والفساد . وظلت – هكذا - حتى تقرر حظرها بالكامل , لإضرارها الصحية , وتم إستبدالها بالتقنيات الحديثة  الأكثر أمانا مثل " المعاملة الحرارية " . وكانت أشهر هذه المواد إستخداما  ( الكربونات والبيكربونات الصوديوم , والفورمالين , وماء الأكسجين ) .

الألبان المعبأة آمنة 

وطبقا لتصريحات الدكتور أحمد حسانين أستاذ علوم تكنووجيا الألبان ,  جميع الألبان المعبأة فى مصر  خالية من أى مواد كيميائية حافظة  منذ صدور قرار حظرها أواخر التسعينات . وتعتمد فى حفظ الألبان على عمليات "  البسترة , والتعقيم  " .  وبحكم التجارب السابقة مع بعض شركات الألبان , لاتوجد شركة فى مصر حاليا تتعامل فى مثل هذه المواد , فضلا عن إلتزمهم بتطبيق كافة الشروط والمعايير الصحية  . ومع ذلك  يصر البعض على تجاهل هذه الحقيقة , ويواصل الجدال فيها . 

" البسترة والتعقيم البديل الأمن "

وتتمثل التقنيات البديلة للمواد الحافظة , والأكثر أمانا لحفظ اللألبان , وإطالة فترة التخزين والصلاحية فى عمليتى الحفظ الحرارى " التسخين لدرجة حرارة معينة " ويطلق على الأولى إسم " البسترة " , والثانية " التعقيم " . ويحدد " الدكتور أحمد حسانين " الفرق بينهما فى أن عملية " البسترة " تعتبر بمثابة تعقيم جزئى . حيث تؤدى درجة حرارة تسخين الحليب فيها , إلى قتل البكتيريا المسببة للأمراض دون تدمير جميع الجراثيم . على عكس عملية " التعقيم " والتى تعتبر تعقيم كلى . حيث تكون درجة حرارة التسخين فيها أعلى , وتؤدى إلى القضاء على جميع الكائنات الحية الدقيقة بما فيها الجراثيم . ولذلك فهى تعتبر عملية تعقيم كلى . وتختصر خطوات عمليتا البسترة , والتعقيم فى : 

أولا : البسترة : وتنقسم لنوعين بطيئة , وسريعة . وذلك من حيث درجة التسخين , والتبريد , ومدة الصلاحية . وتتمثل فى : 

1) البسترة البطيئة : يفضل إجرائها فى معامل الألبان الصغيرة . ويتم تسخين   الحليب عند درجة حرارة 63 درجة مئوية . على أن يستمر التسخين لمدة 30 دقيقة . ثم تبريده فورا بدرجة حرارة منخفضة من ( 4 – 5 درجات مئوية ) . ويحفظ فى الثلاجة فى درجة حرارة أقل من 4 درجات . وتتراوح مدة صلاحيته بين ( 24 , و72 ساعة ) .  

البسترة السريعة . تجرى فى المصانع الكبيرة نظرا للتجهيزات التى تتطلبها . وتتراوح درجة حرارة تسخين الحليب بين 72 , و90 درجة مئوية , ولمدة 15 ثانية . ونفس الشئ يتم التبريد فورا , فى درجة حرارة من ( 4 – 5 درجات مئوية ) , أو أقل . ويحفظ فى الثلاجة مبرد , ومدة الصلاحية بين ( 5 – 7 أيام ) . 

ثانيا : التعقيم : تتعدد تسمياته بين " البسترة اللحظية " , أو المعالجة عالية الحرارة , أو فائقة الحرارة ( UHT ) . ووهذه العملية تحتاج لأجهزة معقدة . حيث يتم تسخين الحليب عند درجة حرارة 144 درجة مئوية , ولمدة من (  3 – 4 ثوانى ) . تتراوح مدة الصلاحية من 6 أشهر , إلى سنة . 

" حفظ الحليب على قديمه فى المزارع "

والملاحظ  أن تقنية البسترة ليس جديدة على السوق المصرى . فقد كانت تقنية معروفة وتطبق بالفعل فى شركة مصر للألبان . أول شركة مصرية حكومية يتم تأسيسها بعد ثور يوليو 52 – وبالتحديد – فى عام 1956 . وظلت هى الشركة الوحيدة التى تحتكر العمل فى مجال صناعة اللبان ومنتجاتها حتى فترة الإنفتاح الإقتصادى 1974 . ويبدو أن مشكلة المواد الحافظة لم تتخلص منها من صغار المربيين فى المنازل , وبعض المزارع , لعدم توافر البديل الأمن والرخيص , للحفاظ على إنتاجهم اليومى من الحليب الخام من التخمر , أو الحموضة لحين نقله وتسليمه إلى مراكز تجميع الألبان بمحافظاتهم .



البوم الصـــور

أضف تعليق


أخبار ذات علاقة

القائمة البريدية