د. ناهد الوحش تكتب عن ممارسات التصنيع الجيد في صناعة الألبان

الإثنين 4 أغسطس 2025 01:13 م
شارك الخبر

تمثل ممارسات التصنيع الجيد (GMPs) منظومة من الإجراءات والممارسات التي تضمن إنتاج المواد الغذائية بشكل منتظم وتحت رقابة صارمة وفقًا لمعايير الجودة  . 

وفي قطاع الألبان تعد ممارسات التصنيع الجيد أحد الركائز الأساسية لضمان سلامة وجودة منتجات الألبان نظرًا لطبيعتها الحساسة وسرعة تعرضها للتلف الميكروبي والكيميائي. وتوفر GMPs إطارا علميا وتنظيميا يُمكن منشآت تصنيع الألبان من التحكم في المخاطر المحتملة خلال جميع مراحل الإنتاج  بدءا من استلام الحليب الخام وحتى التعبئة والتخزين.

تعتمد هذه الممارسات على مبادئ محددة تشمل نظافة المنشآت والمعدات، تدريب العاملين، مراقبة العمليات والتوثيق المستمر وهي ضرورية للامتثال للأنظمة الدولية مثل  Codex Alimentarius، FAO/WHO وهيئات تنظيمية مثل FDA. كما تعد  GMPs  الأساس الذي تبنى عليه أنظمة سلامة الغذاء الأكثر تقدما مثل HACCP وISO 22000 وتسهم في تعزيز ثقة المستهلكين وفتح الأسواق أمام منتجات الألبان.

يهدف هذا المقال إلى استعراض الجوانب العلمية والتطبيقية لممارسات التصنيع الجيد في قطاع الألبان وبيان دورها في تحسين الجودة وتقليل المخاطرلضمان إنتاج آمن وعالي الجودة من منتجات الألبان.

أهمية ممارسات التصنيع الجيد (GMPs) في صناعة الألبان

  تتمثل أبرز الجوانب التي توضح أهمية تطبيق GMPs في ما يلي:

الوقاية من التلوث الميكروبيولوجي : تسهم GMPs في الحد من مخاطر تلوث منتجات الألبان بمسببات الأمراض المنقولة عبر الغذاء مثل Listeria monocytogenes، Salmonella spp.، وEscherichia coli، وهي كائنات ترتبط ارتباطًا مباشرا بتفشي الأمراض المنقولة بالألبان غير المعالجة أو المعالجة بشكل غير كاف. 

ضمان جودة المنتج والامتثال التشريعي : تساعد ممارسات التصنيع الجيد على تحقيق اتساق وثبات في خصائص المنتج النهائي بما يضمن توافقه مع المعايير التنظيمية الوطنية والدولية.

تعزيز ثقة المستهلك وسهولة الوصول للأسواق العالمية : يؤدي الالتزام بـ GMPs إلى تحسين صورة المنتج وثقة المستهلكين المحليين والدوليين ويعد أحد المتطلبات الأساسية للوصول إلى أسواق التصدير التي تفرض اشتراطات صارمة في مجال سلامة الغذاء وجودته.

العناصر الأساسية لممارسات التصنيع الجيد في صناعة الألبان

 أولا:  التعامل مع الحليب الخام وتخزينه

يعد الحليب الخام أول مدخلات العملية وأكثرها حساسية. وتشمل ممارسات التصنيع الجيد في هذه المرحلة:

تطبيق ممارسات حلب نظيفة لتقليل الحمل الميكروبي الابتدائي.

التبريد الفوري للحليب إلى أقل من 4 درجات مئوية بعد الحلب للحد من النمو الميكروبي.

اختبار الحليب للكشف عن وجود المضادات الحيوية وعدد الخلايا الجسدية وجودة التكوين الميكروبي قبل قبوله في المصنع.

 ثانيا: تصميم المنشأة وتخطيطها

وفقًا لدستور الأغذية  (2004  (Codex Alimentarius، ينبغي أن تكون مصانع الألبان مصممة بحيث تضمن منع التلوث المتبادل   .وضمان التنظيف الفعال وتسهيل أعمال التفتيش والرقابة وتحقيق سلامة وجودة المنتجات اللبنية وذلك من خلال الأجراءات التالية:

1- اختيار الموقع  (Location)

يفضل أن تقام المنشأة في مناطق نظيفة بيئيا وبعيدة عن مصادر التلوث مثل مكبات النفايات والمصانع الكيميائية أو مصادر الغبار والدخان.

يجب أن يسمح الموقع بتصريف المياه بشكل سليم دون تلوث للمناطق المحيطة.

2- التخطيط الداخلي لتدفق الإنتاج   (Hygienic Design & Flow)

يراعى وجود تدرج منطقي في العمليات داخل المنشأة:

o استقبال الحليب الخام - المعالجة الحرارية (بسترة أو تعقيم) - التصنيع (مثل التجبن، التخمير) - التعبئة والتغليف ثم التخزين المبرد.

يجب منع تقاطع تدفقات المواد الخام مع المنتجات النهائية لتقليل فرص التلوث.

3- الأسطح والبنية التحتية   

تبنى الأرضيات من مواد غير قابلة للانزلاق و مقاومة للمواد الكيميائية وسهلة التنظيف.

الجدران والأسقف تكون:

o ملساء وغير ماصة وغير قابلة للتشقق.

o قابلة للتنظيف والتعقيم المنتظم.

4- التهوية والإضاءة  (Ventilation & Lighting) 

نظام تهوية فعال لتقليل التكاثف والبخار والرطوبة، مما يمنع نمو العفن والبكتيريا.

إضاءة كافية في مناطق الإنتاج والفحص ويفضل استخدام لمبات مقاومة للكسر.

5- مرافق النظافة الشخصية  (Personal Hygiene Facilities) 

توفير مغاسل أيدي قريبة من مناطق العمل و مزودة بـ:

o ماء ساخن وبارد وصابون غير معطر.

o أنظمة تجفيف غير قابلة لإعادة الاستخدام.

يجب أن تكون دورات المياه منفصلة ومعزولة عن مناطق التصنيع.

6- نظام الصرف الصحي  (Drainage System)

الأرضيات يجب أن تصمم بانحدار مناسب لضمان تصريف المياه.

مجاري الصرف تغطى بإحكام وتجهز بمصائد للحشرات والروائح.

7- مكافحة الآفات  (Pest Control)

النوافذ تزود بشباك مانعة للحشرات.

الأبواب تغلق بإحكام وتجهز بحواجز هوائية أو ستائر بلاستيكية.

تخزين المواد الأولية والمنتجات يجب أن يكون فوق الأرض وبعيدا عن الجدران.

8- مناطق التخزين والتبريد

تخصيص غرف مبردة منفصلة لكلا من:

o الحليب الخام.

o المنتجات الوسيطة (مثل الجبن تحت التصنيع).

o المنتجات النهائية.

التحكم الدقيق بدرجات الحرارة والرطوبة أمر إلزامي.

9- تصميم مناطق التعبئة والتغليف

هذه المناطق يجب أن تكون محكمة الإغلاق وذات مستوى عال من النظافة.

تزويدها بفلاتر هواء ومراقبة البيئة الداخلية مهم للحفاظ على الجودة الميكروبيولوجية..

ثالثا: المعدات والتطهير

تتطلب GMPs استخدام معدات مصنوعة من مواد غير قابلة للصدأ وآمنة غذائيا  إلى جانب أنظمة التنظيف الموضعية  (CIP) كما ينبغي إجراء تقييم دوري لفعالية التنظيف باستخدام طرق مثل اختبار ATP أو المسحات الميكروبيولوجية .

1- نظافة وتدريب العاملين

يعد العامل البشري من نقاط التحكم الحرجة في تنفيذ GMPs. وتشمل الإرشادات:

ارتداء ملابس وقائية وقفازات وغطاء رأس.

غسل اليدين بانتظام وتلقي تدريبات مستمرة على النظافة.

إخضاع العاملين للفحص الصحي واستبعاد المرضى من مناطق الإنتاج 

2- مراقبة العمليات الإنتاجية

تشكل مراقبة العمليات الإنتاجية وتوثيقها عنصرا جوهريا ضمن ممارسات التصنيع الجيد حيث تسهم في ضمان ثبات جودة المنتج النهائي وسلامته الميكروبيولوجية. ويتطلب ذلك الالتزام الدقيق بالمعايير التشغيلية في كل مرحلة من مراحل التصنيع من أبرزها:

البسترة: يجب تحقيق المعايير الحرارية المعتمدة دوليًا مثل المعالجة السريعة عالية الحرارة  (HTST) والتي تقتضي بتسخين الحليب إلى 72°C  لمدة لا تقل عن 15 ثانية بهدف القضاء على مسببات الأمراض دون التأثير السلبي على القيمة الغذائية.

التجنيس وتوحيد مكونات الحليب:  يعد التحكم في تجانس الحليب وتوحيد نسبة الدهن إجراء حاسما لضمان قوام موحد واستقرار المنتج خاصة في اللبن السائل ومنتجات الزبادي.

التحكم الحراري أثناء التخمير والتخزين:  تتطلب منتجات الألبان المخمرة مثل الزبادي والأجبان دقة عالية في التحكم بدرجات الحرارة ومدة التخمير لضمان نمو سلالات البادئات وتحقيق المواصفات الحسية والميكروبيولوجية المثلى.

إن التوثيق المستمر لهذه العمليات من خلال سجلات تشغيلية دقيقة وأجهزة مراقبة حديثة  يعد شرطا أساسيا للامتثال التنظيمي وضمان تتبع المنتج وجودته عبر مختلف مراحل الإنتاج.

3- التعبئة والتخزين

ينبغي أن تكون مناطق التعبئة ملتزمة بمعايير النظافة وخاضعة لمراقبة درجات الحرارة.

 كما يجب أن تكون مواد التعبئة مصنفة للاستخدام الغذائي وتحمي المنتج من التلوث والرطوبة والضوء. 

ويجب مراقبة ظروف التخزين من حيث درجة الحرارة والرطوبة وتسجيلها.

رابعا:  التكامل مع أنظمة سلامة الغذاء

تعد GMPs برامج أساسية تمهيدية لأنظمة أكثر شمولا في إدارة سلامة الغذاء مثل:

نظام تحليل المخاطر ونقاط التحكم الحرجة (HACCP): تسهم GMPs في تحديد المخاطر والتحقق من نقاط التحكم

:ISO 22000, FSSC 22000 تشترط تنفيذ GMPs كشرط أساسي للحصول على الشهادة.

مبادرة السلامة الغذائية العالمية (GFSI): تعترف بالأنظمة مثل BRC وSQF التي تعتمد على دمج GMPs. 

خامسا: الإطار التنظيمي والامتثال في تطبيق ممارسات التصنيع الجيد (GMPs) في صناعة الألبان

تخضع صناعة الألبان لجملة من التشريعات الدولية والوطنية التي تهدف إلى ضمان سلامة الغذاء وجودته من أبرزها:

دستور الأغذية (Codex Alimentarius): يقدّم المبادئ العامة للنظافة الغذائية والتي تشكل إطارا أساسيا لتطبيق ممارسات التصنيع الجيد خاصة في ما يتعلق بتصميم المنشآت ونظافة المعدات  وسلامة العمليات الإنتاجية.

هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA): تنظم ممارسات التصنيع من خلال القانون الفيدرالي 21 CFR الذي يجمع بين متطلبات GMPs وتحليل المخاطر ووضع الضوابط الوقائية (HARPC) لحماية المستهلك.

الاتحاد الأوروبي:  تلزم اللائحة (EC) رقم 852/2004 جميع منشآت تصنيع الأغذية بما فيها منشآت الألبان بتطبيق ممارسات النظافة الجيدة (GHP) ونظام  HACCP  مع ضمان التتبع والتصميم الصحي للمرافق والمعدات.

المواصفة الدولية ISO 14159: تحدد المتطلبات الصحية لتصميم الآلات والمعدات المستخدمة في الصناعات الغذائية بما في ذلك الألبان  لتقليل مخاطر التلوث وضمان سهولة التنظيف والتعقيم.

سادسا: التحديات والتحسين المستمر: تشمل التحديات التي تواجه تنفيذ GMPs ما يلي:

التفاوت في جودة الحليب الخام الوارد من الموردين الصغار.

الحاجة المستمرة للتدريب والإشراف.

ارتفاع تكلفة تحديث المنشآت لدى المصانع الصغيرة والمتوسطة.

غير أن الاعتماد على التقنيات الرقمية الحديثة (مثل الحساسات الذكية وأنظمة المراقبة الآلية)  يسهم في تحسين الرقابة الفورية وتطبيق التحسين المستمر في جودة الممارسات. 

ختاما: تمثل ممارسات التصنيع الجيد (GMPs) ركيزة أساسية لضمان سلامة وجودة منتجات الألبان خاصة في ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بتلوث الغذاء وتغيرات سلوك المستهلك وسلاسل الإمداد العالمية. وقد أثبتت الأنظمة التنظيمية الدولية المختلفة تكاملها في وضع أطر واضحة وشاملة تعزز الامتثال وتدعم ثقة المستهلك.

إن تطبيق GMPs لا يقتصرعلى الالتزام التشريعي فقط  بل يعد استثمارا في استدامة الصناعة وكفاءة العمليات وتحقيق التميز التنافسي لا سيما في الأسواق التصديرية. ولتحقيق ذلك  يتطلب الأمر تكاملا فعّالا بين تصميم المنشآت الصحية، تأهيل العاملين، مراقبة العمليات، وتبني أنظمة وقائية  قائمة على تحليل المخاطر.

في ضوء ذلك تشكل ممارسات التصنيع الجيد أداة استراتيجية لا غنى عنها في الارتقاء بصناعة الألبان نحو مستويات أعلى من السلامة والجودة والابتكار بما يستجيب لتوقعات المستهلك ويواكب التطورات العلمية والتقنية المتسارعة.

مقال 

ممارسات التصنيع الجيد  (GMPs)في صناعة الألبان

د / ناهد عبد المقتدر الوحش

باحث أول بقسم بحوث الألبان - معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية



أضف تعليق


أخبار ذات علاقة

القائمة البريدية